dimanche 12 août 2007

الممارسة الانتخابية بالمغرب

شهدت رحاب كلية الحقوق بفاس بتاريخ 25 يوليوز 2007 مناقشة أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام حول موضوع الممارسة الانتخابية بالمغرب تقدم بها الأستاذ التهامي بن احدش، أستاذ بنفس الكلية. وقد كانت لجنة المناقشة تتكون من الأستاذة رقية المصدق رئيسة ومشرفة، و الأساتذة عسو منصور وعبد الرحمان بني يحيى ومحمد الأعرج. وبعد المناقشة والمداولة، منحت اللجنة للأستاذ التهامي بن احدش لقب دكتور دولة في الحقوق مع تهنئة خاصة من طرف اللجنة وتوصية بالنشر
أود أن أبدأ بالقول أنه أصبح من تحصيل الحاصل التأكيد على أن لحظة الانتخابات تشكل حدثا من أهم الأحداث في الحياة السياسية في الدول الديمقراطية. ذلك أنه بعد أن عاشت مختلف المجتمعات الإنسانية عهودا طويلة من الصراعات بين الأشخاص والمجموعات إما بحكم تعارض المصالح أو اختلاف الأهداف حول مستقبل الجماعة أو حول السيادة داخل الجماعة، ستهتدي إلى وسيلة لتدبير الصراعات بطريقة سلمية. هكذا ستعوض صناديق الاقتراع تدريجيا لغة الأسلحة، والمعارك الانتخابية الثورات العنيفة في الدول الغربية أولا، قبل أن تنتقل هذه الوسيلة الحضارية لتدبير الصراع إلى عدد من الدول في مختلف القارات. وستصبح الاستشارات الشعبية عبر انتخابات منتظمة وحرة وشفافة مصدر المشروعية للحاكمين، حيث لا يمكن أن تتأسس سلطة سياسية إلا عن طريق الانتخابات باعتبار أن مركز السلطة مرتبط بنتائج هذه الانتخابات. وبالرغم من انتقال نظام الاقتراع كأساس لمشروعية السلطة والضامن الأساسي لقيام ديمقراطية حقيقية إلى عدد من الدول التي تنتمي للعالم الثالث، فمن الملاحظ أن هذا المفهوم سيجد بعض الصعوبات في اعتماده من طرف معظم هذه الدول رغم إعلان أنظمتها اعتماد الديمقراطية. ذلك أن العديد من أنظمة هذه الدول لا تقبل بالاختلاف والمنافسة على السلطة واحتمال أن تصبح الأقلية أغلبية، بل وحينما تقوم بتنظيم انتخابات فإن ذلك يتم بعد أن تكون قد هيأت الشروط الضرورية لإفراغ العملية الانتخابية من محتواها. وبصرف النظر عن الاختلافات بين هذه الدول، فإن المغرب الذي يشكل جزءا منها سيكون من بين الدول التي ستعرف بشكل محتشم تطبيق نظام الاقتراع خلال عهد الحماية كما سيكون من الدول القليلة التي ستأخذ بعد الاستقلال بنظام التعددية الحزبية التي تجد تعبيرها في انتخابات حرة ونزيهة. غير أن من الملاحظ أنه، وبالرغم من إجماع النخبة السياسية المغربية على مبدأ الانتخاب كوسيلة لقياس تمثيلية القوى السياسية، فإن الممارسة الانتخابية لم تكن في معظم الحالات مطابقة لإعلانات الحاكمين ولا تتوفر فيها مواصفات وشروط الانتخابات الديمقراطية. لقد كان التساؤل حول الأسباب التي كانت وراء تعثر العملية الانتخابية بالمغرب والاختلالات التي تعرفها العملية بالرغم من التأكيد على النزاهة والمصداقية من أعلى سلطة في البلاد بشكل علني و رسمي ومتكرر، والسلوكات اللاعقلانية لبعض أطراف العملية الانتخابية والمواقف المتناقضة أحيانا لمكونات الحركة الوطنية من الأسباب التي جعلتنا نفكر في اختيار هذا الموضوع أي موضوع الممارسة الانتخابية بالمغرب، الذي نعتقد أننا لسنا في حاجة إلى التأكيد على أهميته لما أصبح يشكله من راهنية في الحياة السياسية بالمغرب ولارتباطه بالتطورات السياسية التي عرفها منذ الاستقلال وتأثيره على العلاقات بين القوى السياسية التي تكون المشهد السياسي والحزبي بالمغرب. وحتى نرسم أمامكم السيدة والسادة أعضاء اللجنة الصورة التي تكونت لنا من استقراء فاحص للممارسة الانتخابية التي تهيمن عليها منذ الاستقلال الاختلالات والتعترات. هذا الاستقراء الذي يبين الاعتبارات المنهجية التي شكلت أساس هذا البحث، فإننا نود أن نثير الانتباه إلى أننا استبعدنا مسألتين: استبعدنا أولا إعتماد منهجية تقوم على رصد هذه الممارسة من خلال التحليل الكرونولوجي رغم أن هذا التحليل ليس غائبا تماما ولكننا وظفناه في سياق المنهجية التي اعتمدناها والتي سنعرضها على أنظاركم بعد قليل المسألة الثانية التي استبعدناها هي المتمثلة في رصد التطورات السياسية التي عرفها المغرب منذ الاستقلال انطلاقا من أطروحة التوافق، لأن هذه الأطروحة تم توظيفها في جل الأحيان بالطريقة التي تلغي من التطورات السياسية عنصرا أساسيا أعطى لهذه التطورات ديناميكية وحركية، بحيث بدا لنا أنه لا يمكن تجاوزه في تحليل الممارسة الانتخابية. إن هذا العنصر هو الصراع حول السلطة السياسية بين الأطراف السياسية المتمثلة في الملكية و أحزاب الحركة الوطنية، صراع يتراوح بين المحافظة على السلطة السياسية أو المشاركة فيها أو الاستيلاء عليها، و هو أيضا صراع، نذكر بأنه لم يكن يلغي من ثناياه الصراع من أجل إلغاء الآخر والقضاء عليه. إن هذا الصراع حول السلطة السياسية الذي اعتمدناه يزدوج بعنصر آخر أساسي ظل يهيمن على الحياة السياسية ويشكل الوجه الآخر للصراع حول السلطة السياسية. إنه صراع الشرعية والمشروعية، وبعبارة أخرى صراع حول مشروعية السلطة القائمة وصراع حول الشرعية الديمقراطية والدستورية والذي نؤكد مرة أخرى أنه يشكل الوجه الآخر للصراع حول السلطة السياسية. إن هذا الصراع هو الذي يفسر لنا أولا تعليق الممارسة الانتخابية بعد الاستقلال ويفسر لنا ثانيا كيف أن هذه الممارسة الانتخابية لم تكن لتستقر لولا تراجع التطلع إلى الاستيلاء على السلطة السياسية وتقدم الالتفاف حول تحديد قواعد الشرعية الدستورية والديمقراطية بهدف المشاركة فيها عن طريق إعادة النظر في تنظيم السلط والعلاقات بينها، و الذي بدأ يترسخ منذ النصف الثاني من السبعينات. ومع ذلك، فهذه العناصر لا تشكل الإ جزءا من الصورة التي تكونت لدينا باستقراء الممارسة السياسية لأن تطور الصراع حول السلطة السياسية واستقرارها حول صراع الشرعية من اجل المشاركة في هذه السلطة لم يغير من معالم الممارسة الانتخابية، التي بالرغم من كل هذه التحولات ظلت تخضع لثوابت هيمنت على ممارسة الفاعلين الأساسيين فيها.و قد تمثلت هذه الثوابت في ضغط الاستمرارية وحدود التجديد: ضغط الاستمرارية الذي يهم الفاعل الأساسي المتمثل في الملكية، وحدود التجديد التي تهم الفاعل الأساسي الآخر المتمثل في أحزاب الحركة الوطنية. وقد تبين لنا كيف أن هذه الثوابت لا تلغي الصراع حول السلطة السياسية وحول الشرعية والمشروعية. بالعكس إنها تؤكده. إن هذا الصراع حول السلطة السياسية الذي ينطوي على الصراع حول الشرعية والمشروعية وظفناه بالطريقة التي أعطتنا القسمين الأساسيين اللذين تتوزع عليهما هذه الأطروحة. يتعلق الأمر بالقسم الأول المتمثل في استمرار تحكم الملكية في العملية الانتخابية بالرغم من تراجع الصراع حول المشروعية، وهذا ما يشكل في نظرنا ضغط الاستمرارية. أما القسم الثاني الذي يمثل حدود التجديد فيتمثل في استمرار تهميش أحزاب الحركة الوطنية بالرغم من استقرار التنازع حول تحديد قواعد الشرعية الدستورية والديمقراطية. ومع ذلك فإن الصورة التي رسمناها عند استقرائنا للممارسة الانتخابية لن تكتمل الا بعد أن نبين الأجزاء التي يتوزع عليها كل قسم من الأطروحة. إن هذه الأجزاء بالقدر الذي تمثل عناصر مستقلة لكل قسم على حدة بالقدر الذي تشكل عناصر التقاطع بين القسم الأول وبين القسم الثاني. إن هذا التقاطع يأتي من أن أجزاء كل قسم، مهما كانت مستقلة عن أجزاء القسم الآخر فإنها تتقاطع وتتماثل معها. فهي في كل قسم أولا قانونية وثانيا سياسية وثالثا إجرائية. ففي القسم الأول الذي يهيمن عليه ضغط الاستمرارية المتمثلة في استمرار تحكم الملكية في العملية الانتخابية بالرغم من تراجع الصراع حول المشروعية، نجد الناحية القانونية المتمثلة في هيمنة الملكية على الإطار الدستوري والانتخابي وهذا هو الذي شكل موضوع الفصل الأول، والجانب السياسي المتمثل في تحكم الملكية في الحقل الحزبي وهذا ما شكل موضوع الفصل الثاني، والناحية الإجرائية المتمثلة في احتكار المؤسسة الملكية للقرار في مسار العملية الانتخابية وهذا هو موضوع الفصل الثالث. أما القسم الثاني المتمثل في حدود التجديد الذي يقوم على استمرار تهميش أحزاب الحركة الوطنية بالرغم من استقرار التنازع حول تحديد قواعد الشرعية، فقد تمثل من الناحية القانونية في الانخراط المحدود لأحزاب الحركة الوطنية في مسار تحديد قواعد الممارسة الانتخابية وهذا ما شكل موضوع الفصل الأول، ومن الناحية السياسية في محدودية المحاولات الوحدوية كتعبير عن مقاومة سياسة التهميش، وهذا هو موضوع الفصل الثاني. أما الجانب الاجرائي فقد تمثل في محدودية مشاركة أحزاب الحركة الوطنية في المؤسسات المرتبطة بالعملية الانتخابية وهذا هو الذي شكل موضوع الفصل الثالث. تلكم كانت السيدة والسادة الأساتذة أعضاء اللجنة المنهجية التي اعتمدناها في تحليل العناصر الاساسية لهذا البحث التي خلصت فيها إلى أنه رغم المجهود الذي بذل في السنوات الأخيرة من أجل تحديث القوانين الانتخابية، وبالرغم كذلك من التطورات النوعية التي حصلت في الحقل الانتخابي لضمان حد أدنى من النـزاهة والشفافية ووقف بعض الممارسات التي تسيىء إلى العملية الانتخابية، فإن هذه القوانين لم تنجح كلية في وضع حد لكل تلك الممارسات. لقد كان من المؤمل أن يؤدي تغيير نمط الاقتراع منذ 2002 من الاقتراع الأحادي الإسمي في دورة واحدة إلى الاقتراع باللائحة والتمثيل النسبي إلى المساعدة في تجديد النخب الحزبية وإعطاء الفرصة للأطر الكفؤة والنظيفة لتحسين أداء المؤسسات المنتخبة على المستوى المحلي والوطني، لكن يجب الاعتراف بأن ما حدث هو عكس ذلك، حيث أصبح عنصر الإمكانيات المالية والقدرة على التناور والتحايل داخل الأحزاب ومع باقي الأحزاب وجماعات الضغط هو المحدد لمنح التزكية والفوز بالمقعد بدل عنصر الكفاءة والفعالية. لذلك يجب التفكير في نظام جديد يحد من اللجوء إلى التحالفات والتحالفات المضادة المشبوهة وغير الفاعلة ويحدد مسؤوليات الأحزاب وممثليها في الهيآت المنتخبة عن تدبيرهم للشأن العمومي أمام الرأي العام والناخبين والسلطات الإدارية والقضائية. إن هذه الدراسة التي واجهتنا فيها صعوبات على مستويات متعددة يأتي على رأسها وعلى الأخص مستوى الوثائق وطريقة الاستفادة منها وعلى مستوى تحديد المنهجية التي حاولنا قدر الإمكان التغلب عليها لا تعني أننا استنفدنا كافة أبعاد الموضوع الذي يشكل فقط بالنسبة إلينا أرضية مشروع لدينا العزم على استكماله. ورغم تحديدنا للأطراف الأساسية الفاعلة في الممارسة الانتخابية في الملكية وأحزاب الحركة الوطنية، فإننا واعون بأن الحقل السياسي الحزبي قد اغتنى بفاعلين جدد وهذا ما يعني بأن مسار البحث لا ينتهي ولا ينضب. ويبقى أن محاولة فهم واقع الممارسة الانتخابية بالمغرب والبحث عن أجوبة ولو جزئية لبعض الأسئلة المتعلقة بدراسة هذه الممارسة هي من الطموحات التي توختها هذه الدراسة والتي نتمنـى أن تلبي ولو جزئيا انتظارات الباحثين والمهتمين بالشأن الانتخابي

Aucun commentaire: