dimanche 12 août 2007

مشروع للقانون الجنائي يحال على الأمانة العامة

أنهت وزارة العدل مؤخرا المشروع الجديد للقانون الجنائي المغربي، وأحالته على الأمانة العامة للحكومة، ليأخذ مساره عبر قنوات التشريع. ويظهر أن هذا العمل القانوني الضخم، الذي أعدته ثلة من كبار القضاة والمحامين والجامعيين المختصين في المادة الجنائية، يعد من بين آخر الأعمال الاستراتيجية للحكومة الحالية، إذ يشكل برأي العديد من المتتبعين ثورة هامة وهادئة في السياسة الجنائية في بلادنا.. فالمشروع الجديد انخرط الى أبعد حد في مضامين الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ذات الصلة بالعدالة الجنائية، وجعل منها مرتكزا لقواعده الجديدة في نظام التجريم، كما قطع أشواطا هامة من خلال إدخال الجرائم المنصوص عليها في القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كجريمة الإبادة، والاختفاء القسري، والجرائم ضد الإنسانية, كما أنه ضمّن مواده توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، وتوصيات مناظرة مكناس حول السياسة الجنائية وإذا كان القانون الجنائي المغربي قد عرف سلسلة من التعديلات الجزئية خلال السنوات الأخيرة، أملتها ظروف ومستجدات آنية، فإن المراجعة الشاملة للقانون، ظلت أمرا ملحا، سيما في ظل تطور ظاهرة الجريمة في مجتمعنا، وانخراط بلادنا في مسار ملاءمة قوانينها عامة وقانونها الجنائي خاصة مع ما تقتضيه المواثيق العالمية لحقوق الإنسان. وفي هذا السياق أقر المشروع الجديد عقوبات بديلة للعقوبات السالبة للحرية في الجرائم المعاقب عليها بالحبس لمدة لا تتجاوز 5 سنوات، من قبيل الإقامة الإجبارية، والحرمان من ممارسة الحقوق المدنية، أو العمل من أجل المنفعة العامة، كما أقر عقوبات تكميلية أيضا كإلغاء رخصة القيادة، أو الحرمان من رخصة السلاح، والمنع من المشاركة في الصفقات العمومية، أو المنع من الحصول على دفتر الشيكات...إلخ كما تضمن المشروع أيضا من حيث الصياغة، تغيير العديد من العبارات من قبيل المجرم حيث أصبحت العبارة المستعملة هي المحكوم عليه أو الشخص المدان كما استبدلت عبارة عقوبة الإقصاء بـ الإيداع في مؤسسة لتقويم الانحراف، وأدخلت نصوص جنائية خاصة كالظهائر المتعلقة بزجر الإدمان والاتجار في المواد المخدرة، والإضرار بالصحة العامة والسكر العلني. ومن حيث الموضوع، تم تجريم كل الأفعال الماسة بالاقتصاد الوطني، ومحاربة جرائم الفساد المالي، ومنح الاختصاص للمحاكم الزجرية لتفسير المقررات الإدارية الفردية والتنظيمية لتقدير شرعيتها. إلا أن من أبرز مستجدات المشروع الجديد حذف 22 جريمة يعاقب عليها بالإعدام من أصل 31، والاحتفاظ بتسع جرائم فقط في هذا الشأن.. وفي هذا الإطار بالذات من المتوقع أن الحسم النهائي في مصير الإبقاء الجزئي أو الإلغاء الكلي لعقوبة الإعدام وبالنظر لحساسيته، يبقى معلقا على المداولات التي سيعرفها هذا الموضوع عبر قنوات التشريع. كما قلص المشروع عقوبة السجن المؤبد بتحويلها إلى سجن محدد بالنسبة لثلاث عشرة (13) جريمة، مع توسيع مجال الصلح ليشمل 190 جنحة تتعلق بجرائم ينحصر الضرر فيها على مستوى الضحية دون أن يمس المجتمع والحق العام. كما أقر المشروع حماية وإنصاف الضحايا ومساعدتهم، وتوفير العلاج الطبي والنفسي لهم، وحماية الأطفال من استغلالهم في الجرائم الخطيرة المخدرات، الإرهاب، الهجرة السرية... إلخ) وتعزيز حماية المرأة من العنف، وتحقيق المساواة مع الرجل، كما أخذ المشروع بتفعيل سلطة تفريد العقاب من خلال ملاءمة العقوبة مع خطورة الجريمة وشخصية المجرم
الأكيد أن المغرب يلزمه تشريع جنائي مرن يواكب التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية قادر على التصدي لأي مساس وإخلال بأمن واستقرار المجتمع. من هنا كان لابد من وضع آلية متطورة، بيد السلطات العمومية لمواجهة الأجيال الجديدة من الجرائم، لكن مع الحفاظ على كل الضمانات، والحرص على صيانة الحقوق والحريات الفردية والجماعية لاستكمال بناء دولة الحق والقانون

Aucun commentaire: