lundi 17 février 2014

التعذيب عند العرب

تساءلت تكراراً عن أسباب التعذيب  فوجدت  التاريخ يحكي لنا على مدى فظاعة التعذيب عند العرب عبر العصور المختلفة وحتى يومنا  هذا حيت تفنن أجدادنا العرب في تعذيب ضحاياهم  وخصومهم السياسيين وغير السياسيين ،بطرق  شنيعة و مختلفة،مما جعل من تاريخهم الحقوقي بأنه غير مشرف ومشكوك فيه ، كغيرهم من الأمم الأخرى ، بل أحياناً هم أكثر بشاعة من تلك الأمم ، وبتفحص بعض الصفحات السوداء من ذلك التاريخ المشين تكتشف بما لا يدع مجالا للشك، أن ما نحصده اليوم  وما نمارسه من تعذيب على بني جلدتنا هو نتاج لثقافة قديمة استبدادية سادية قاتلة متوارثة مازالت قائمة لحد الآن ، فالتاريخ يؤكد لنا بأن الحجاج هو أبو التعذيب  وكذلك عمّه وخاله،سبقه عليه في الدولة العربية"زياد بن أبيه" والذي لم تحدد الروايات التاريخية عدد قتلاه لكثرتهم ولا عدد من قطع أيديهم وأرجلهم ، وهو من يعاقب ضحاياه لمجرد الظن والشك والشبهة فيهم، وهو من ختم خطبته المعروفة بالبتراء بالقول "وأيم الله إن لي فيكم لصرعى فليحذر كل منكم أن يكون من صرعاي" وهو من سن في تلك الخطبة قوانين عرفية صارمة وقاسية ، متوعداً فيها نفسه بأنه سيحرم عليهم الطعام والشراب حتى يسويها بالأرض هدماً وحرقاً حتى يلقى الرجل منهم أخاه فيقول له "أنج سعد فقد هلك سعيد" هذا يأخذنا لسعد ومسعود وعمر وعبيد في الدولتين الأموية والعباسية، لنجد عند الوليد والقاهر وقصاب الرشيد الخبر اليقين، حيث يحدثنا تاريخ الخلفاء بأنهم يعذبون النساء فالقاهر عذب زوجة أبيه "أم المقتدر" وأذاقها  أشد صنوف العذاب الجسدي حتى الموت، وعن حكاية قصاب الرشيد يقص علينا " ابن كثير" (في البداية والنهاية) أن الرشيد استدعى قصاباً،وقد اشتد به المرض في طوس، لا ليقصب أضحية العيد إنما ليقصب "بشير بن الليث" ويفصله أربعة عشر عضواً، فقد قال الخليفة  وهو يتهيأ  للقاء الله للقصاب الذي يعمل في بلاط  الدولة العباسية ، لا تشحذ مديتك وعجل لئلا يحضرني أجلي  وعضو من أعضائه في جسده.
وعن "المنصور" الذي أخبرنا عنه التاريخ بمرارة بأنه قد قتل خلقاً كثيرا لكي يستقام حكمه وملكه  لم يكلفه تطير رقبة "أبي مسلم الخرساني" إلا نصفق بيد على يد  فخرج على الفور"عثمان بن نهيك" من خلف الستارة  وقطع رأس أبا مسلم، وللحفيرة الشهيرة  في تاريخ العرب  والتي هذب حكايتها "السيوطي" والتي هي من فعل " المعتضد"  بأن يلقي فيها الخصم ثم يطم عليه حتى الموت
 إلا أن المسعودي تكلم على الحفيرة بشكل مختلف  تماماً وهذا يقودنا لما أورده " الطبيري" وكذلك " ابن خلكان" في (وفيات الأعيان) و"ابن كثير" في (البداية والنهاية) بأن"الوليد بن يزيد" أوكل "ليوسف بن عمر الثقفي" تعذيب "خالد عبدالله القسري" قسرياً بوضع قدميه بين خشبتين  وعصرهما حتى انقصفا ، ثم رفع الخشبتين إلى فخذيه ثم لصدره حتى فارق الحياة ، كما قيل عنه يقتل في خصمه بالدخان بتعليق الشخص من قدميه منكساً أو بحبسه في مكان مغلق  ومن ثم إيقاد النار في التبن  حتى تسقط الضحية اختناقاً بالدخان وتفنن القاتل باستعمال الحيوانات في مسألة تعذيب الخصوم ومن تلك الحيوانات الفيلة التي بدورها تدهس الضحية حتى الموت لجانب الضباع والسباع، وهناك من العرب وهو"الأمين" من طرح المغنيات  في حظيرة السباع ، ويحكي لنا التاريخ أن عضد الدولة أمر بإلقاء وزيره "محمد بن بقية " تحت  قوائم الفيلة حتى هلك، ومن غرائب الصدف أن حدثنا التاريخ على نبش القبور والعبث بها منذ القدم فما أشبه اليوم بالأمس ، حيث وصل يومها التنكيل حتى بالمقبورين في قبورهم لمجرد أنهم كانوا خصما للخليفة  ، يقول في هذا السياق "عمرو بن هانئ" خرجت مع "عبد الله بن علي" لنبش قبور بني أمية في أيام "السفاح" فانتهينا لقبر "هاشم" فاستخرجناه  صحيحاً ما فقد منه إلا خرومة أنفه  فضربه عبدالله ثمانين سوطاً ثم حرقه، واستخرجنا "سليمان" من أرض دابق  فلم نجد منه شيئاً  إلا صلبه وأضلاعه ورأسه فأحرقناه، أي بشاعة يحدثنا عنها تاريخنا القديم والمعاصر منه وحتى الحالي فالأمر لا يختلف كثيراً.
فالواقع التاريخي يشهد للعرب بأنهم تعاملوا حتى مع عشيقاتهم ومحارمهم بطرق غريبة تنم على سذاجة  أصحاب هذه الموافق  وضعف إيمانهم ،والتي فيها شيء من السادية ، من هذه المواقف التي وجب أن نتوقف عندها قصة "الوليد بن يزيد" الذي حج ليشرب الخمرة فوق ظهر الكعبة فقتلوه، فقال عنه أخوه "سليمان" بأنه ماجن فاسق ولقد راودني على نفسي ،وأنه  مارس النكاح غير الشرعي مع زوجات أبيه، وقام بتعذيبهن.
ومع ظهور الإسلام يروي لنا التاريخ بأن  أسياد مكة مارسوا ألواناً شتى من التعذيب على كل من أسلم من أهل مكة  وأغلبهم من المستضعفين  ومنهم "بلال بن رباح" وجارية "بنت عمرو" وغيرهما ولم يسلم منهم حتى سيد الخلق النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
كما يقودنا هذا لتاريخ التعذيب ما بعد ظهور الإسلام أي في عهد النبي "محمد" عليه الصلاة والسلام ومن بعده، أي في فترة حكم الخلفاء الراشدين وما بعد خلافتهم حتى يمكن لنا ربط الماضي بالحاضر، يقال إن في فترة الدعوة للإسلام وفي ظل وجود النبي "محمد" انخفضت معدلات جريمة التعذيب السياسي كثيراً عند العرب ، وكادت تختفي بالمطلق لصرامة "النبي" وتشدده حيال ذلك ورفضه لانتهاج هذا الأسلوب وهو من عفا  بكل رحابة صدر على أشد  الناس خصومة له ولرسالته ،لتعود شيئاً فشيئاً مع تولي الخلفاء الراشدين للممارسة السلطة بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام .
وأيضا هناك من نراه يتهم اليوم البعض بممارسة وانتهاج أسلوب "الغنيمة " التاريخ يوضح لنا حقيقة هذه المسألة عند العرب ،فيقول  لنا منذ  عصر معاوية بن أبي سفيان وما قبله عرف العرب حب الغنيمة والعمل على تحصيلها بشتى الطرق بسبب دوافع مالية  ومن أجلها الولاة عذبوا الكثير من خصومهم ، ولم يسلم حتى الولاة أنفسهم من التعذيب بسبب استحواذهم على الغنيمة واستفرادهم بها لأنفسهم .بعيدا عن عيون الخليفة  وما حصل لموسى بن نصير عامل الوليد فيما كان يسمى إفريقيا وبلاد المغرب خير ذليل والذي عين بدله محمد بن يزيد ولعلكم سمعتم أيضاًعن فتح الأنف  ونفخ فيه النمل  وهي الطريقة التي طبقت على سعيد بن عمرو الحرشي من أجل استرجاع المال المنهوب منه ، وهناك طريقة أخرى هي أكثر دهاء وجنونا في طرق التعذيب ،هي وضع لجام الحمار المصنوع من الحديد الصلب  في فم من يراد تعذيبه ومن ثم سحب اللجام بقوة فتتحطم الأسنان ويتكسر الوجه.
وبعيدا عن السياسية والمال والدين والتعذيب عند العرب ،نجد في تاريخ العرب  مساحة للتعذيب من أجل الحب وهو بالمناسبة عنوان مقالنا القادم ،مما ساهم في التفكك الاجتماعي لديهم ، فمظاهر التعذيب كثيرة هي التي باعتها اجتماعي في حق عامة الناس وخواصها وأبرزها ما يتعلق بمعاملة النساء  وطرق وظروف الزواج بهن ، حيت وصل الأمر لتطليق النساء من أزواجهن وفي ظروف غامضة وتحت وطأة التعذيب حتى يتم الطلاق وخصوصا بين الجميلات من هن وهو ما يتنافى مع الدين الإسلامي وأخلاق العرب  ،وهنا يحق لنا التوقف عند حادثة واحدة  من ضمن حوادث كثيرة توقف عندها التاريخ العربي وهي فعلة عبدالرحمن بن أم الحلم والى الكوفة في عهد معاوية بن أبي سفيان وتعذيبه أشد أنواع التعذيب لرجل من أجل تطليق زوجته الجميلة و بنت عمه ، مما جعل من الرجل يشتكيه إلى معاوية الذي أمر بإرجاعها له بعد أن قطع المسافة من الكوفة حتى وصل مقر معاوية في دمشق .
كما عرف العرب الزندقة والزنادقة منذ العصر العباسي  وما قبله وأثناء فترة حكم الخليفة المهدي الذي عرف عنه بمطاردتهم ومتابعتهم وإنزال أشد أنواع العقوبات ضدهم وصولا لزهق أرواحهم معتبرا إياهم لا فرق بينهم وبين المرتد عن الإسلام ، يراهم قتلة بالنور وفي الظلام .هذه بسطة تاريخية متواضعة حاولت جمعها من عدة مصادر تاريخية مختلفة ، لكي نربط بها الماضي مع الحاضر لنعرف مدى بشاعة التعذيب عند العرب ،فوجدناهم من أشد عشاق تعذيب خصومهم لأتفه الأسباب، وبالتالي لا نستغرب اليوم وجود الانتهاكات البشعة والفظيعة التي يتعرض لها الخصوم ، وهو شأن يرفضه الدين والعرف وتؤكد علي رفضه القوانين  المحلية والعالمية ومواثيق حقوق الإنسان ، وهنا نجزم بأنها هي قلة خارجة عن القانون تلك التي تمارس صنوف الخطف والتعذيب والقتل وسفك الدماء في ظل غياب الدولة  في الوقت الراهن  ولكن يبقى عملها المشين امتدادا لتلك الصفحات من التاريخ المخزي للعرب.

                                                                     عبد الكريم الرقيعي

Aucun commentaire: